سورة التوبة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاَّ عن موعدة وعدها إياه} وذلك أنَّه كان قد وعده أن يستغفر له رجاء إسلامه، وأن ينقله الله باستغفاره إيَّاه من الكفر إلى الإِسلام، وهذا ظاهر في قوله: {سأستغفر لك ربي} وقوله: {لأستغفرنَّ لك} فلمَّا مات أبوه مشركاً تبرَّأ منه وقطع الاستغفار {إنَّ إبراهيم لأوَّاهٌ} دَعَّاءٌ كثير البكاء {حليم} لم يعاقب أحداً إلاََ في الله، ولم ينتصر من أحدٍ إلاَّ لله، فلمَّا حرَّم الاستغفار للمشركين بيَّن أنَّه لا يأخذهم بما فعلوا؛ لأنَّه لم يكن قد بيَّن لهم أنَّه لا يجوز ذلك، فقال: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم} ليوقع الضَّلالة في قلوبهم بعد الهدى {حتى يبيِّن لهم ما يتقون} فلا يتَّقوه، فعند ذلك يستحقُّون الإِضلال.


{لقد تاب الله على النبيِّ} مِنْ إذنه للمنافقين في التَّخلُّف عنه، وهو ما ذُكر في قوله: {عفا الله عنك...} الآية {والمهاجرين والأنصار الذين اتَّبعوه في ساعة العسرة} في زمان عسرة الظَّهر، وعسرة الماء، وعسرة الزَّاد {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} من بعد ما همَّ بعضهم بالتَّخلُّف عنه والعصيان، ثمَّ لحقوا به {ثم تاب عليهم} ازداد عنهم رضا.
{وعلى الثلاثة الذين خلفوا} أَي: عن التَّوبة عليهم. يعني: مَنْ ذكرناهم في قوله: {وأخرون مرجون لأمر الله} {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض} لأَنَّهم كانوا مهجورين لا يُعاملون ولا يُكلَّمون {وضاقت عليهم أنفسهم} بالهمِّ الذي حصل فيها {وظنوا} أيقنوا {أن لا ملجأ من الله إلاَّ إليه} أن لا مُعتَصَم من عذاب الله إلاَّ به {ثمَّ تاب عليهم ليتوبوا} أَيْ: لطف بهم في التَّوبة ووفَّقهم لها.
{يا أيها الذين آمنوا} يعني: أهل الكتاب {اتقوا الله} بطاعته {وكونوا مع الصادقين} محمدٍ وأصحابه، يأمرهم أن يكونوا معهم في الجهاد والشِّدَّة والرَّخاء.


{ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} لا يرضوا لأنفسهم بالخفض والدَّعَة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الحرِّ والمشقَّة {ذلك} أَيْ: ذلك النَّهي عن التَّخلُّف {بأنهم لا يصيبهم ظمأ} وهو شدَّة العطش {ولا نصب} إعياء من التَّعب {ولا مخمصة} مجاعةٌ {ولا يطؤون موطئاً} ولا يقفون موقفاً {يغيظ الكفار} يُغضبهم {ولا ينالون من عدو نيلاً} أسراً وقتلاً إلاَّ كان ذلك قُربةً لهم عند الله.
{ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة} تمرةً فما فوقها {ولا يقطعون وداياً} يُجاوزونه في سيرهم {إلاَّ كتب لهم} آثارهم وخُطاهم {ليجزيهم الله أحسن} بأحسن {ما كانوا يعملون} فلمَّا عِيبَ مَنْ تخلَّف عن غزوة تبوك قال المسلمون: والله لا نتخلَّف عن غزوةٍ بعد هذا، ولا عن سرية أبداً، فلمَّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسَّرايا إلى العدُّو، نفر المسلمون جميعاً إلى الغزو، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ليخرجوا جميعاً إلى الغزو {فلولا نفر من كلِّ فرقة منهم طائفة} فهلاَّ خرج إلى الغزو من كل قبيلةٍ جماعةٌ {ليتفقهوا في الدين} ليتعلَّموا القرآن والسُّنن والحدود. يعني: الفرقة القاعدين {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} وليعلِّموهم ما نزل من القرآن ويخوّفوهم به {لعلهم يحذرون} فلا يعملون بخلاف القرآن.
{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم} يقربون منكم. أُمروا بقتال الأدنى فالأدنى من عدوِّهم من المدينة {وليجدوا فيكم غلظة} شدَّةً وعُنفاً.
{وإذا ما أنزلت سورة فمنهم} من المنافقين {مَنْ يقول أيكم زادته هذه إيماناً} يقوله المنافقون بعضهم لبعض هزؤاً، فقال الله تعالى: {فأمَّا الذين آمنوا فزادتهم إيماناً} تصديقاً، لأنَّهم صدَّقوا بالأولى والثَّانية {وهم يستبشرون} يفرحون بنزول السُّورة.
{وأما الذين في قلوبهم مرض} شكٌّ ونفاقٌ {فزادتهم رجساً إلى رجسهم} كفراً إلى كفرهم؛ لأنَّهم كلَّما كفروا بسورةٍ ازداد كفرهم.
{أَوَلاَ يرون أنهم يفتنون في كلِّ عام مرَّة أو مرتين} يُمتحنون بالأمراض والأوجاع، وهنَّ روائد الموت {ثمَّ لا يتوبون} من النِّفاق، ولا يتَّعظون كما يتَّعظ المؤمن بالمرض.
{وإذا ما أنزلت سورة} كان إذا نزلت سورةٌ فيها عيبُ المنافقين، وتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقَّ ذلك عليهم، و{نظر بعضهم إلى بعض} يريدون الهرب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم لبعض: {هل يراكم من أحد} إنْ قمتم، فإن لم يرهم أحدٌ خرجوا من المسجد، وإنْ علموا أنَّ أحداً يراهم ثبتوا مكانهم حتى يفرغ من خطبته {ثم انصرفوا} على عزم الكفر والتَّكذيب {صرف الله قلوبهم} عن كلِّ رشدٍ وهدى {بأنهم قومٌ لا يفقهون} جزاءً على فعلهم، وهو أنَّهم لا يفقهون عن الله دينه وما دعاهم الله إليه.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11